سورة النمل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{أَلا يَسْجُدُوا} قرأ أبو جعفر والكسائي: {أَلا يسجدوا} بالتخفيف، وإذا وقفوا يقفون {ألا يا}: ألا يا ثم يبتدئون: {اسجدوا}، على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، وجعلوه أمرًا من عند الله مستأنفًا، وحذفوا هؤلاء اكتفاء بدلالة يا عليها، وذكر بعضهم سماعًا من العرب: أَلا يا ارحمونا، يريدون ألا يا قوم، وقال الأخطل:
أَلا يا اسْلَمِي يا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَكْرِ *** وإنْ كانَ حَيَّانَا عِدًا آخِرَ الدَّهْرِ
يريد: ألا يا اسلمي يا هند، وعلى هذا يكون قوله: {أَلا} كلامًا معترضًا من غير القصة، إما من الهدهد، وإما من سليمان. قال أبو عبيدة: هذا أمر من الله مستأنف يعني: يا أيها الناس اسجدوا. وقرأ الآخرون: {ألا يسجدوا} بالتشديد، بمعنى: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، {لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} أي: الخفي المخبَّأ، {فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أي: ما خبأت. قال أكثر المفسرين: خبء السماء: المطر، وخبء الأرض: النبات. وفي قراءة عبد الله: {يخرج الخبء من السموات والأرض}، ومن وفي يتعاقبان، تقول العرب: لأستخرجن العلم فيكم، يريد: منكم. وقيل: معنى {الخبء} الغيب، يريد: يعلم غيب السموات والأرض. {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} قرأ الكسائي، وحفص، عن عاصم: بالتاء فيهما، لأن أول الآية خطاب على قراءة الكسائي بتخفيف ألا وقرأ الآخرون بالياء. {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} أي: هو المستحقُّ للعبادة والسجود لا غيره. وعرش ملكة سبأ وإن كان عظيمًا فهو صغير حقير في جنب عرشه عز وجل، تم هاهنا كلام الهدهد، فلما فرغ الهدهد من كلامه. {قَالَ} سليمان للهدهد: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ} فيما أخبرت، {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}؟ فدلَّهم الهدهد على الماء، فاحتفروا الركايا وروي الناس والدواب، ثم كتب سليمان كتابًا: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فلا تعلوا علي واتوني مسلمين. قال ابن جريج لم يزد سليمان على ما قص الله في كتابه. وقال قتادة: وكذلك الأنبياء كانت تكتب جُمَلا لا يطيلون ولا يكثرون. فلما كتب الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه. فقال للهدهد {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ}.


{اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ} قرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة: ساكنة الهاء، ويختلسها أبو جعفر، ويعقوب وقالون كسرًا، والآخرون بالإشباع كسرًا، {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} تَنحَ عنهم فكنْ قريبًا منهم، {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} يردُّون من الجواب. وقال ابن زيد: في الآية تقديم وتأخير مجازها: اذهبْ بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم، أي: انصرف إليَّ، فأخذ الهدهد الكتاب فأتى به إلى بلقيس، وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام، فوافاها في قصرها وقد غلّقت الأبواب، وكانت إذا رقدت غلّقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها، فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها، فألقى الكتاب على نحرها، هذا قول قتادة. وقال مقاتل: حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون إليه، حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حِجْرها.
وقال ابن منبه، وابن زيد: كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع، فإذا نظرت إليها سجدت لها، فجاء الهدهد الكوة فسدها بجناحيه فارتفعت الشمس ولم تعلم، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر، فرمى بالصحيفة إليها، فأخذت بلقيس الكتاب، وكانت قارئة، فلما رأت الخاتم أُرعدت وخضعت لأن ملك سليمان كان في خاتمه، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب إليها أعظم مُلْكًا منها، فقرأت الكتاب، وتأخر الهدهد غير بعيد، فجاءت حتى قعدت على سرير مملكتها وجمعت الملأ من قومها، وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد مائة ألف مقاتل. وعن ابن عباس قال: كان مع بلقيس مائة ألف قَيْل، مع كل قيل مائة ألف والقَيْل الملك دون الملك الأعظم، وقال قتادة ومقاتل: كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف، قال: فجاءوا وأخذوا مجالسهم. {قَالَتْ} هم بلقيس: {يَا أَيُّهَا الْمَلأ} وهم أشراف الناس وكبراؤهم {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}.
قال عطاء والضحاك: سمته كريمًا لأنه كان مختومًا. وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كرامة الكتاب ختمه» وقال قتادة ومقاتل: {كتاب كريم} أي: حسنٌ، وهو اختيار الزجاج، وقال: حسن ما فيه، وروي عن ابن عباس: {كريم}، أي: شريف لشرف صاحبه، وقيل: سمته كريمًا لأنه كان مصدرًا ببسم الله الرحمن الرحيم ثم بينت ممن الكتاب فقالت: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}.


{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} وبينت المكتوب فقالت: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ} قال ابن عباس: أي: لا تتكبروا علي. وقيل: لا تتعظموا ولا تترفعوا علي. معناه: لا تمتنعوا من الإجابة، فإن ترك الإجابة من العلو والتكبر، {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} مؤمنين طائعين. قيل: هو من الإسلام، وقيل: هو من الاستسلام. {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} أشيروا علي فيما عرض لي، وأجيبوني فيما أشاوركم فيه، {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً} قاضية وفاصلة، {أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} أي: تحضرون. {قَالُوا} مجيبين لها: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} في القتال، {وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} عند الحرب، قال مقاتل: أرادوا بالقوة كثرة العدد، وبالبأس الشديد الشجاعة، وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم قالوا: {وَالأمْرُ إِلَيْكِ} أيتها الملكة في القتال وتركه، {فَانْظُرِي} من الرأي، {مَاذَا تَأْمُرِينَ} تجدينا لأمرك مطيعين. {قَالَتْ} بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً} عنوة، {أَفْسَدُوهَا} خربوها، {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} أي: أهانوا أشرافها وكبراءها، كي يستقيم لهم الأمر، تحذِّرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم، وتناهى الخبر عنها هاهنا، فصدق الله قولها فقال: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} أي: كما قالت هي يفعلون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8